في عالم اللياقة البدنية وكمال الأجسام، يبحث العديد من الرياضيين عن الطرق المثلى لتعزيز أدائهم وزيادة كتلة عضلاتهم. واحدة من المكملات التي لاقت اهتمامًا كبيرًا في هذا السياق هي كبسولات حمض الأسبارتيك. هذه الكبسولات تُستخدم بشكل شائع لتعزيز مستويات هرمون التستوستيرون، المعروف باسم هرمون الذكورة، الذي يلعب دورًا أساسيًا في بناء العضلات وتحسين الأداء الرياضي.
ولكن، ما هي حقيقة هذه المكملات؟ وما الذي يقوله العلم عن فعالية حمض الأسبارتيك؟ في هذا المقال، سنقدم نظرة متعمقة تستند إلى أحدث الأبحاث العلمية حول فوائد وأضرار هذا المكمل.
ما هو حمض الأسبارتيك؟
حمض الأسبارتيك (DAA) هو حمض أميني غير أساسي، مما يعني أن الجسم يمكنه إنتاجه بشكل طبيعي من خلال تفاعلاته الحيوية. ومع ذلك، يتم بيع هذا الحمض كمكمل غذائي، حيث يُعتقد أن تناوله يساعد في رفع مستويات هرمون التستوستيرون بشكل طبيعي.
تشير بعض الدراسات إلى أن حمض الأسبارتيك يمكن أن يؤثر على الغدة النخامية، وهي الغدة المسؤولة عن تنظيم العديد من الهرمونات في الجسم. هذا التأثير يُعتقد أنه يؤدي إلى زيادة في إنتاج هرموني التستوستيرون والهرمون اللوتيني (LH) الذي يلعب دورًا في تحفيز إنتاج التستوستيرون من الخصيتين [1].
الجرعة الموصى بها
الجرعة الموصى بها من حمض الأسبارتيك عادة ما تتراوح بين 2000 إلى 3000 مجم يوميًا، ويمكن تناولها دفعة واحدة أو تقسيمها على مدار اليوم إذا كان هناك صعوبة في الهضم. في العادة، يتم استخدام المكمل لفترات زمنية محددة، تتراوح بين 10 أيام إلى أسبوعين، ثم يتم التوقف عنه لفترة مماثلة. الفكرة وراء هذا النمط هو تجنب انخفاض تأثيره التحفيزي على هرمون التستوستيرون مع مرور الوقت، حيث أن الدراسات أظهرت أن تأثيره الإيجابي قد يتناقص بعد فترة قصيرة من الاستخدام.
الأدلة العلمية على فعالية حمض الأسبارتيك
رغم الادعاءات بأن حمض الأسبارتيك يمكن أن يزيد من مستويات التستوستيرون، إلا أن النتائج العلمية حول هذا الموضوع متضاربة. تشير بعض الدراسات إلى أن تناول المكمل قد يؤدي إلى زيادة ملحوظة في مستويات هرمون التستوستيرون، خصوصًا لدى الرجال الذين يعانون من انخفاض مستويات هذا الهرمون بشكل طبيعي [2].
على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت على رجال يعانون من مستويات منخفضة من التستوستيرون أن تناول حمض الأسبارتيك لمدة 12 يومًا أدى إلى زيادة مستويات التستوستيرون بنسبة 42% [3]. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن هذه الزيادة لم تستمر بعد فترة الاستراحة من المكمل.
على الجانب الآخر، هناك دراسات أخرى لم تجد أي زيادة ذات دلالة إحصائية في مستويات التستوستيرون لدى الرجال الأصحاء الذين تناولوا حمض الأسبارتيك. هذا يعني أن فعالية المكمل قد تكون محدودة لدى الأفراد الذين لديهم مستويات طبيعية من التستوستيرون، مما يثير تساؤلات حول فائدته العامة [4].
فوائد حمض الأسبارتيك
بالإضافة إلى الادعاءات حول تأثيره على هرمون التستوستيرون، يُعتقد أن لحمض الأسبارتيك فوائد أخرى تتعلق بالأداء الرياضي وبناء العضلات. من هذه الفوائد المحتملة:
- زيادة في ترسيب البروتينات: التستوستيرون المرتفع قد يُحفز الجسم على استخدام البروتينات بشكل أكثر كفاءة، مما يسهم في تعزيز نمو العضلات.
- تحسين مستويات الطاقة: يرتبط التستوستيرون بمستويات الطاقة العامة في الجسم، حيث أن الزيادة في هذا الهرمون قد تعني تحسينًا في القدرة على التحمل والنشاط البدني.
- تحسين المزاج والقدرة الجنسية: بعض الأبحاث تربط بين التستوستيرون وزيادة الرغبة الجنسية وكذلك تحسين الحالة المزاجية، مما يجعل المكمل خيارًا لبعض الرجال الذين يعانون من مشاكل في هذه النواحي.
الاستخدام في علاج نقص التستوستيرون
حمض الأسبارتيك يُعتبر خيارًا محتملًا للرجال الذين يعانون من نقص هرمون التستوستيرون، وهو حالة قد تؤدي إلى انخفاض في القدرة الجنسية، الإرهاق، وفقدان الكتلة العضلية. يمكن أن يكون المكمل مفيدًا في تعزيز مستويات التستوستيرون لدى هؤلاء الأفراد، كما أشارت بعض الدراسات إلى ذلك [5].
ومع ذلك، يجب ملاحظة أن تأثير المكمل لا يزال محل دراسة، ولم تُثبت بعد فعاليته في علاج جميع الحالات المرتبطة بنقص التستوستيرون.
الاحتياطات وموانع الاستعمال
على الرغم من الفوائد المحتملة، هناك بعض الاحتياطات التي يجب أخذها في الاعتبار عند تناول كبسولات حمض الأسبارتيك. أولاً، لا يُنصح باستخدام هذا المكمل من قبل الأطفال والمراهقين، حيث أن تأثيره على الجسم في هذه المراحل العمرية غير معروف بشكل كافٍ.
كما أن الأفراد الذين يعانون من أمراض معينة مثل الفصام، الصرع، أو الأمراض العصبية الأخرى يجب عليهم تجنب هذا المكمل. يُعتقد أن تأثير حمض الأسبارتيك على نقل الإشارات العصبية قد يزيد من تفاقم هذه الحالات [6].
الآثار الجانبية المحتملة
على الرغم من أن حمض الأسبارتيك يُعتبر آمنًا عند تناوله بالجرعات الموصى بها، إلا أنه قد يسبب بعض الآثار الجانبية غير المرغوب فيها. بالنسبة للرجال، زيادة مستويات التستوستيرون بشكل مفرط قد تؤدي إلى مشكلات مثل ضعف الانتصاب أو زيادة التهيج. أما بالنسبة للنساء، فقد يحدث تغيرات جسدية ذكورية مثل زيادة نمو الشعر أو تغييرات في الصوت.
يُفضل دائمًا استشارة الطبيب قبل البدء في استخدام المكملات الغذائية، خصوصًا تلك التي قد تؤثر على التوازن الهرموني في الجسم.
أضرار حمض الأسبارتيك وآثاره الجانبية
على الرغم من أن العديد من الأشخاص يعتبرون حمض الأسبارتيك مكملًا آمنًا، إلا أن هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أنه يمكن أن يسبب آثارًا جانبية غير مرغوب فيها، خاصة عند استخدامه لفترات طويلة أو بجرعات عالية. على سبيل المثال، زيادة مستويات التستوستيرون بشكل مفرط قد تؤدي إلى:
- ضعف الانتصاب: على الرغم من أن التستوستيرون يعزز القدرة الجنسية عند الرجال، إلا أن زيادته بشكل غير طبيعي قد تؤدي إلى تأثيرات سلبية على القدرة الجنسية لدى بعض الأفراد.
- زيادة التهيج: ارتفاع مستويات التستوستيرون قد يؤدي إلى تغيرات في السلوك، مثل زيادة العدوانية أو التهيج، وهو ما يُعرف أحيانًا بـ “متلازمة التستوستيرون المفرط”.
- تغيرات جسدية لدى النساء: بالنسبة للنساء، تناول حمض الأسبارتيك أو مكملات التستوستيرون قد يؤدي إلى ظهور خصائص ذكورية مثل زيادة نمو الشعر، تغيرات في الصوت، وتغيرات في الدورة الشهرية.
تأثيرات طويلة الأمد
حتى الآن، لا توجد دراسات كافية لتحديد التأثيرات طويلة الأمد لاستخدام حمض الأسبارتيك، حيث أن معظم الأبحاث المتاحة تركز على فترات قصيرة من الاستخدام، تتراوح بين بضعة أسابيع إلى شهر واحد. لذا يجب الحذر وتجنب الاستخدام المفرط دون إشراف طبي [7].
العلاقة بين حمض الأسبارتيك وصحة القلب
هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الزيادة في مستويات التستوستيرون الناتجة عن المكملات الغذائية قد تزيد من مخاطر التعرض لأمراض القلب، خاصة عند تناولها بجرعات عالية ولفترات طويلة. على سبيل المثال، بعض الأبحاث وجدت أن ارتفاع مستويات التستوستيرون بشكل غير طبيعي قد يكون مرتبطًا بزيادة ضغط الدم ومستويات الكوليسترول، وهما عاملان يزيدان من خطر الإصابة بأمراض القلب [8].
أين يوجد حمض الأسبارتيك في الطعام؟
إذا كنت ترغب في الحصول على حمض الأسبارتيك بشكل طبيعي من الغذاء بدلاً من المكملات، فإن هناك العديد من الأطعمة التي تحتوي على هذا الحمض الأميني. من بين هذه المصادر:
- الأفوكادو: يعتبر الأفوكادو من الفواكه الغنية بالأحماض الأمينية، بما في ذلك حمض الأسبارتيك.
- الهليون: هو أيضًا مصدر نباتي جيد لحمض الأسبارتيك ويُعرف بفوائده الصحية العديدة.
- المحار: يحتوي المحار على نسبة عالية من الأحماض الأمينية، بما في ذلك حمض الأسبارتيك، كما أنه معروف بفوائده في تعزيز الصحة الجنسية.
- الطيور البرية: اللحوم مثل الدجاج والديك الرومي تحتوي أيضًا على نسب عالية من الأحماض الأمينية الأساسية وغير الأساسية مثل حمض الأسبارتيك.
نصائح للاستخدام الآمن لكبسولات حمض الأسبارتيك
لضمان الاستخدام الآمن والفعال لـ كبسولات حمض الأسبارتيك، هناك بعض النصائح والإرشادات التي يُفضل اتباعها:
- استشارة الطبيب: قبل البدء في استخدام أي مكمل غذائي، من الضروري استشارة الطبيب للتأكد من أنه مناسب لحالتك الصحية. قد يكون هذا الأمر بالغ الأهمية إذا كنت تعاني من أمراض مزمنة أو تتناول أدوية معينة.
- اتباع الجرعات الموصى بها: لا تتجاوز الجرعات الموصى بها على عبوة المكمل. عادةً ما تكون الجرعة المثلى حوالي 3000 مجم يوميًا، ويمكن تقسيمها على مدار اليوم لضمان سهولة الهضم.
- الالتزام بفترات التوقف: كما ذكرنا سابقًا، يفضل تناول حمض الأسبارتيك لفترة محددة من الوقت (10 أيام إلى أسبوعين)، ثم التوقف عن تناوله لفترة مماثلة. هذا يساهم في الحفاظ على فعاليته ويمنع الجسم من التعود عليه.
- المراقبة الدورية لمستويات التستوستيرون: إذا كنت تتناول مكملات حمض الأسبارتيك بهدف زيادة التستوستيرون، يُفضل إجراء فحوصات دورية لمستويات هذا الهرمون في الجسم لضمان عدم تجاوز المستويات الطبيعية.
بدائل طبيعية لزيادة التستوستيرون
بالإضافة إلى المكملات الغذائية مثل حمض الأسبارتيك، هناك العديد من الطرق الطبيعية التي يمكن أن تساعد في زيادة مستويات التستوستيرون في الجسم:
- ممارسة التمارين الرياضية: رفع الأثقال وتمارين القوة قد تساعد في تعزيز مستويات التستوستيرون بشكل طبيعي.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم: النوم الجيد هو عامل مهم للحفاظ على التوازن الهرموني في الجسم، بما في ذلك التستوستيرون.
- تناول غذاء صحي متوازن: تناول الأطعمة الغنية بالبروتينات والدهون الصحية مثل اللحوم الحمراء، الأسماك، والمكسرات يمكن أن يدعم إنتاج التستوستيرون.
- إدارة الإجهاد: الإجهاد المزمن يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في مستويات التستوستيرون، لذا فإن تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا أو التأمل قد تكون مفيدة.
خاتمة
في الختام، يمكن القول أن كبسولات حمض الأسبارتيك قد تكون فعالة في زيادة مستويات هرمون التستوستيرون لدى بعض الأفراد، خاصة أولئك الذين يعانون من انخفاض في مستويات هذا الهرمون. ومع ذلك، النتائج ليست ثابتة على جميع الأشخاص، وما تزال الأبحاث حول هذا المكمل غير كافية لتأكيد فعاليته أو سلامته على المدى الطويل.
إذا كنت تفكر في استخدام حمض الأسبارتيك أو أي مكملات أخرى لزيادة التستوستيرون، من الضروري أن تستند إلى معلومات موثوقة وأن تستشير طبيبك قبل البدء. لا يمكن للمكملات الغذائية أن تكون بديلًا كاملاً لنمط حياة صحي ومتوازن، يشمل ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي.
الحفاظ على توازن صحي في نظامك الغذائي وأسلوب حياتك هو الأساس لضمان مستويات طاقة جيدة ولياقة بدنية مثالية. كما يجب أن تكون القرارات المتعلقة بالصحة قائمة على تقييم علمي دقيق، وأن نسعى دائمًا للرجوع إلى الأطباء والمختصين في هذا المجال لتوجيهنا نحو الخيارات الأفضل لصحتنا العامة.
المراجع:
- دراسة حول تأثير حمض الأسبارتيك على الغدة النخامية والتستوستيرون
Enza Topo, S. Soricelli, D. D’Aniello, G. Ronsini, and A. D’Aniello. “The role and molecular mechanism of D-aspartic acid in the release and synthesis of LH and testosterone in humans and rats.” Reproductive Biology and Endocrinology.
رابط الدراسة - دراسة مقارنة على تأثير حمض الأسبارتيك على الرجال ذوي مستويات منخفضة من التستوستيرون
Willoughby, D. S., Leutholtz, B., & Wilborn, C. (2009). The Effects of 12 Days of D-Aspartic Acid Supplementation on Hormonal Parameters and Performance in Resistance-Trained Men.
رابط الدراسة - نتائج أبحاث حول تأثير حمض الأسبارتيك على زيادة مستويات التستوستيرون
Topo, E., Soricelli, A., D’Aniello, D., & D’Aniello, A. (2009). D-Aspartic Acid in Humans and Rats.
رابط الدراسة - دراسة حول تأثير حمض الأسبارتيك على الرجال الأصحاء
Melville GW, Siegler JC, Marshall PWM, Kalafatis N, Marshall-Gradisnik S. “The effects of D-aspartic acid supplementation in resistance-trained men over a three month period.” Journal of the International Society of Sports Nutrition.
رابط الدراسة - مراجعة علمية حول استخدام حمض الأسبارتيك لعلاج نقص التستوستيرون
D’Aniello, A., Di Fiore, M. M., Fisher, G. H., Milone, A., & D’Aniello, G. “The role of D-aspartic acid in the regulation of testosterone levels and spermatogenesis.”
رابط الدراسة - تأثير حمض الأسبارتيك على الأمراض العصبية مثل الصرع والفصام
Errico F, Santillo S, Migliarini S, et al. “DAspartate in the mammalian brain: biosynthesis, degradation and physiological function.” Journal of Biological Chemistry.
رابط الدراسة - دراسة حول الآثار الجانبية طويلة الأمد لحمض الأسبارتيك
Willoughby, D., & Stout, J. R. “The effects of long-term D-aspartic acid supplementation on health parameters and testosterone.” International Journal of Sports Nutrition.
رابط الدراسة - بحث حول العلاقة بين مكملات التستوستيرون وأمراض القلب
Basaria, S., Coviello, A. D., Travison, T. G., Storer, T. W., Farwell, W. R., Jette, A. M., Eder, R., Tennstedt, S., Ulloor, J., Zhang, A., Choong, K., Lakshman, K. M., Mazer, N. A., Miciek, R., Bhasin, S., “Adverse Cardiovascular Events Reported in a Long-Term Trial of Testosterone Therapy.”
رابط الدراسة.